فصل: 72 الآية الحادية عشرة منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.72 الآية الحادية عشرة منها:

قوله تعالى في قصة نوح: {قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} الأعراف: 72.
وقال في سورة هود 64: {ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب}.
وقال في سورة الشعراء 155-156: {قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم* ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم}.
للسائل أن يسأل عن اختلاف الخبر الواحد في الأماكن الثلاثة، وهو حكاية ما قاله صالح عليه السلام لقومه لما حذرهم التعرض للناقة؟
والجواب أن يقال: إن هؤلاء سألوا أن يخرج لهم من هضبة ملساء ناقة، فسأل الله تعالى صالح عليه السلام، وفي خبر آخر: أنه بدأهم بهذه الآية، لا عن مسألة كانت منهم، فانفرجت عن ناقة بعدما تمخضت تمخض المرأة، والناقة عشراء، فنتجت بعد ذلك فصلا، فكانت ترد ماء لهم بين جبلين يوما فتشربه كله وتسقيم اللبن بدله، وللقوم شرب يوم يخصهم، فثقل عليهم السلام التعرض لها إلى أن عقرها أحمر ثمود، فصار سبب هلاكهم.
فالآية الألة من سورة الأعراف عامة في جمل ما كان من وعظه لهم، لأنه قال: {قد جاءتكم بينة من ربكم} أي آية تشهد بصحتها نفوسكم أنها من قدرة الله تعالى المختصة بفعله، لا بفعل غيره، ثم قال: {هذه ناقة الله لكم آية} هود: 64 أي: هذه ناقة ليست ملك أحمد منكم، وإنما هي لله استخرجها من الصخرة أو الهضبة أمارة لصدق نبيه لتؤمنوا عندها، فاتركوها ترع في الصحارى التي هي أرض الله من الكلأ الذي هو من نعمة الله تعالى، ولا تتعرضوا لها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ينال منكم ويؤلمكم.
وهذه المعاني المجملة في الآية الأولى زيدت بيانا في الآيتين، فالآية الأولى تحذير للقوم على طريق العموم. وأما قوله تعالى في الثانية: {فيأخذكم عذاب قريب} هود 64 بعد ما قال في الآية الأولى: {أليم} فإنه اختص هذا المكان ب {قريب} لما بعده من قوله: {فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} هود: 65 قدر المدة التي بينهم وبين هلاكهم، وقرب ما توعدهم به من عذاب الله لهم، والقريب لا ينافي الأليم بل هو أشد ألما، إذ لم يكن بعد مهل فاختصاص الآية الثانية ب {قريب} دون {أليم} لما ذكرنا من قرب الميعاد المقرون ذكره إلى ذكره.
وأما الآية الثالثة واختصاصها بقوله: {فيأخذكم عذاب يوم عظيم} الشعراء: 165 فلأن قبلها ذكر اليومين المقسومين بين الناقة وبينهم، كأنه قال لهم: إن منعتموها يومها بعقر ولا تتركونه لها أخذكم عذاب يوم عظيم.
فيوم تؤلمونها فيه فيكون به يوم يؤلمكم الله فيه بعذاب الاستئصال، وهو يوم عظيم عليكم، وكل ذلك بمعنى واحد، وهو أنهم إن عقروها عوقبوا، بالألفاظ المختلفة دائرة على هذا المعنى، واختلافها لاختلاف مواضعها المقتضية تغيير الألفاظ فيها.

.73 الآية الثانية عشرة منها:

قوله تعالى في قصة صالح عليه السلام: {فأخذتكم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} الأعراف: 78.
وقال فيهم في سورة هود 65: {فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام}.
وقال فيهم في هذه السورة بعد هذه الآية: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في دارهم جاثمين} هود: 67.
وقال في قصة شعيب عليه السلام وقومه في سورة الأعراف 91: {فأخذتكم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}.
وقال في هذه القصة في سورة هود 94 {وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين}.
للسائل أن يسأل عن قوله تعالى: {فأصبحوا في دارهم} وتوحيد الدار في موضع، وجمعها في موضع، وهل هناك فرقان بين موضع الواحد وموضع الجمع؟
والجواب أن يقال: إذا كان الجمع والتوحيد جائزين كان وجه التوحيد على طريقين:
أحدهما: أن يراد بدارهم بلدهم، فيوحد ذهابا إلى معنى البلد، وهو موحد.
أو يذهب به مذهب الجنس كما تقول: دينارهم شر من درهمهم، كما قال:
دينار آل سليمان ودرهمهم ** كالبابليين حفا بالعفاريت

بقي الكلام في اختصاص موضع بالتوحيد، وموضع بالجمع، وأن يقال: هل ذلك لفائدة تخصصه به؟
فنقول: إنه تعالى وحد ذلك في كل مكان ذكر في ابتدائه: {وإلى ثمود أخاهم صالحا} الأعراف: 73، هود: 61 {وإلى مدين أخاهم شعيبا} الأعراف: 85، هود: 84، العنكبوت: 37 ولم يذكر إخراج النبي ومن آمن معه من بينهم، فجعلهم بني أب واحد، وجعلهم لذلك أهل دار واحدة، ورجاء أيضا أن يصيروا بالإيمان فرقة واحدة.
وكل موضع موضع أخبر عن تفرقه بينهم، وإخراج النبي ومن آمن منهم معه، أخبر عنهم الإخبار الدال على تفرق شملهم، وتشتت أمرهم، وذهاب المعنى الذي كان يجمعهم لأب واحد ودار واحدة، وأن يصيروا مع المؤمنين فرقة واحدة فقال: {فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا... وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} هود: 66-67.
فإن قال قائل: فقد قال في قصة شعيب عليه السلام في سورة الأعراف 91: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} فوحد الدارأ وقد خرج شعيب عليه السلام من بين أظهرهم، ووقع الحكم بتفرق شملهم، فكان ما ذهبت إليه يقتضي أن يجمع الدار فيقال ديارهم في هذا المكان؟.
والجواب أن يقال: إنه لم يتقدم في هذا الموضع ذكر إخراجه بينهم مع الذين آمنوا معه، كما ذكر في الموضعين الآخرين في قصة صالح عليه السلام في سوروة هود، وفي قصة شعيب فيها.
ألا ترى قال في قصة صالح عليه السلام في سورة الأعراف وسورة هود قبل أن أخبر أنه نجاه ومن آمن معه منهم لما جاء أمره مرتين، فوحد الدار فيهما، وفي الموضع الذي ذكرت قصته مع المؤمنين منهم جمع الدار فيها.
وكذلك جاء في قصة شعيب عليه السلام في موضعين: أحدهما: جمع فيه، وفي الآخر وحد، والجمع حيث ذكر إخراجه منهم مع المؤمنين معه، فتدبره إن شاء الله تعالى.

.74 الآية الثالثة عشرة منها:

قوله تعالى في قصة صالح عليه السلام: {فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} الأعراف: 79.
وقال في قصة شعيب عليه السلام: {فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين} الأعراف: 93.
للسائل أن يسأل عن إفراد الرسالة في قصة صالح عليه السلام، وجمعها في قصة شعيب عليه السلام، وما الفائدة المخصصة لكل واحد من الفظين بمكانه؟
والجواب عن ذلك أن يقال: إن الذي نطق به القرآن من تحذير صالح عليه السلام قومه بعد أن أمرهم باتقاء الله تعالى وطاعته، وهو أمر الناقة، والمنع من التعرض لها، فجعل الرسالة جملة لما لم يفصل تفصيل ما أتى به شعيب عليه السلام حين نهاهم عن عبادة الأوثان بدلالة قوله تعالى: (قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد هود: 87 ثم قال: {إن لكم رسول أمين* فاتقوا الله وأطيعون} الشعراء: 178-179 ثم قال: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين* وزنوا بالقسطاس المستقيم* ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين} الشعراء: 181- 183 وقال: {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله} الأعراف: 86.
قيل في التفسير: هم العشارون، عن قتادة والسدي، وقيل: كانوا يقعدون من قصد شعيبا فيوعدونه ويصدونه عن دين الله، فهذه التي أمر شعيب بها قومه أشياء كثيرة، ليس ما أمر به صالح قومه مثها كثرة، فلهذا جمع الرسالة فقال: {رسالات ربي} وقال في قصة صالح عليه السلام: {رسالة ربي}.
وجواب ثان: وهو على ما يروى أن أيكة غير مدين، وأن شعيبا عليه السلام بعث إلى أمتين، وهذا عن قتادة. وقيل: الأيكة: الغيضة الملتفة، وأصحاب الأيكة هم أهل مدين، فإذا حمل على الأول كان إلى كل واحدة من أمتيه رسالة، فجمع لاختلاف قوله، وتخصيص كل منهم برسالة من الله.
فغن قال قائل: عذاب الله أهلكوا، وقد نطق القرآن بالرجفة في أمرهم، ونطق بالصيحة التي خروا لها وماتوا، ونطق بعذاب يوم الظلة، وهي سحابة أظلتهم فأحرقهم الحر تحتها، وهذه أنواع من العذاب مختلفة، وفي كل واحد منها ما يغني عن الآخر في الغهلاك، فإذا أهلكوا بأحدها اكتفى به عن غيرها؟
والجواب أن يقال: في التفسير عن محمد بن كعب، قال: عذب قوم شعيب عليه السلام بثلاثة اصناف من العذاب، أصابتهم الرجفة فخرجوا من ديارهم، ثم أصابهم حر شديد، ففرقوا من أن يدخلوا البيوت خوف الزلزلة، فبعث الله عليهم الظلة، وهي سحبة أنمنشئت لهم فصاح رجل منهم: هل لكم في الظلة؟ هل لكم في الظلة؟ وفي رواية: عليكم بالظلة، فما رأيت كاليوم من ظل أطيب ولا أبرد، فلجأوا إليها هربا من الحر الذي أصابهم، فلما اجتمعوا تحتحا أمطرتهم نارا فأحرقتهم وقيل: صيح بهم صيحة واحدة فماتوا منها فعلى هذا سلطت عليهم الأنواع الثلاثة من العذاب عذاب الاستئصال.

.75 الآية الرابعة عشرة منها:

قوله تعالى: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين* إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون* وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون* فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} الأعراف: 80-83.
وقال في سورة النمل 54-58: {ولوطا إذ قال قوله أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون* أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل انتم قوم تجهلون* فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون* فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين* وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}.
وقال في سورة العنكبوت 28-30: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين* قال رب انصرني على القوم المفسدين}.
للسائل أن يسأل في هذه الآي عن موضع:
فالأول: قوله في سورة الأعراف81: {..شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون} وقال فيما وقع في سورة النمل55: {شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون}.
والثاني: قوله تعالى بعد ذلك: {وما كان جواب قومه} في سورة الأعراف 82 بالواو، وقال فيما أشبهه من سورة النمل 56: {فما كان جواب قومه} بالفاء، وهل صلح أحدهما مكان الآخر في الاختيار؟